اليابان.. ورشة العالم المغلقة!
رغم انشغال العالم بالازدهار الصيني هذه الأيام؛ إلا أن الانتشار التجاري لليابانيين يظل واحداً من أروع القصص في التاريخ؛ ففي أقل من ثلاثين عاماً حقق اليابانيون إمبراطورية اقتصادية عالمية أقوى من التي طورها اليهود خلال ألفي عام وأكثر انتشاراً من الإنجليز إبّان الحقبة الاستعمارية أو من الشتات الصيني هذه الأيام.
وما يدهش أن اليابانيين تمكنوا من الجمع بمهارة بين نقيضين (الانفتاح على الخارج والتقوقع على الداخل). وهذه الحقيقة تبدو جلية من خلال مهارتهم في بيع السلع للأمم الأخرى وفي المقابل قفل أسواقهم المحلية أمام البضائع الأجنبية، لكن ليس من خلال قرارات رسمية بل من خلال حواجز ثقافية تبعد المواطن العادي عن المنتجات الأجنبية. والسر في هذه الازدواجية يعود إلى الثقافة والتربية اليابانية التي تشجع على الانغلاق والتشكيك في الأعراق الأخرى وفي نفس الوقت التأكيد على "الانتشار الدولي" كضرورة تفرضها حاجتهم للموارد والخامات الطبيعية!
وهذه الحقيقة يغذيها شعور بالتفرد تراكم بفعل قرون من الانعزال التام والأصالة العرقية، فاليابانيون بعكس معظم الشعوب ينحدرون من قبيلة واحدة نقية تدعى ياماتو. فإن كان اليهود يعدون أنفسهم شعب الله المختار فإن اليابانيين يفوقونهم في هذا الصلف ويعتقدون أنهم خلقوا من ضوء الشمس! وإلى وقت الحرب العالمية الثانية كان الإمبراطور يعتبر شيئاً مقدساً ويمثل في عرف الناس قمة النقاء ولا يجوز النظر إليه مباشرة.
ويمكن القول إن اليابانيين لم يدركوا أهمية التوسع الخارجي إلا بعد عصر الإمبراطور "ميجي" (1868- 1912) حيث انغلقوا على أنفسهم قبل ذلك لأربعة قرون. ولكن بعد إدراكهم أن التجارة العالمية هي الهواء الذي يعتاشون به استطاعوا بمهارة (على عكس اليهود في الماضي، والأمريكان في الحاضر) تحقيق مكاسبهم العالمية دون اختلاط وثيق مع الشعوب الأخرى. وهذه الحقيقة قد تبدو مناقضة للواقع لكون المؤسسات والمصانع اليابانية حققت اختراقاً واسعاً في كل مكان حول العالم؛ ولكن الحقيقة هي أن حتى المؤسسات والمصانع اليابانية (في الخارج) تبدو مغلقة ومتماسكة من الداخل بحيث لا يمكن لأي أجنبي اختراقها أو تولي منصب حساس فيها. وفي المقابل تبدو الأسواق اليابانية مغلقة حتى أمام أكثر السلع جودة ورخصا. ويعود السر إلى المواطن الياباني نفسه الذي لا يقبل كثيرا على المنتجات الأجنبية ولا يفضل "المستورد" على صناعته المحلية، الأمر الذي أثار دائما حيرة وإحباط الموزعين الأجانب. وفي عقدي الثمانينات والتسعينات بدأت بعض الحكومات الغربية بمعاملة اليابانيين بالمثل في محاولة لتعديل العجز التجاري معها. فالولايات المتحدة مثلا هددت أكثر من مرة بفرض ضرائب مضاعفة على البضائع اليابانية، في حين تبنت فرنسا قرارا بأن لا تزيد الصادرات اليابانية إليها عن 3%، أما بريطانيا فالتزمت الهدوء بعد أن نقلت إليها اليابان عشرات المصانع الأمر الذي حولها - حسب التعبير الفرنسي - إلى ورشة عمل يابانية!
المدهش فعلاً أن اتفاقية الجات وقوانين العولمة لم تفلح في تعديل ميزان اليابان التجاري مع بقية دول العالم. وفي حين انشغل العالم هذه الأيام بالسلع الصينية الرخيصة عمل اليابانيون بصمت على تصدر المصانع نفسها للدول المستهلكة متجاوزين بذلك قوانين العولمة واتفاقيات الجات!
رغم انشغال العالم بالازدهار الصيني هذه الأيام؛ إلا أن الانتشار التجاري لليابانيين يظل واحداً من أروع القصص في التاريخ؛ ففي أقل من ثلاثين عاماً حقق اليابانيون إمبراطورية اقتصادية عالمية أقوى من التي طورها اليهود خلال ألفي عام وأكثر انتشاراً من الإنجليز إبّان الحقبة الاستعمارية أو من الشتات الصيني هذه الأيام.
وما يدهش أن اليابانيين تمكنوا من الجمع بمهارة بين نقيضين (الانفتاح على الخارج والتقوقع على الداخل). وهذه الحقيقة تبدو جلية من خلال مهارتهم في بيع السلع للأمم الأخرى وفي المقابل قفل أسواقهم المحلية أمام البضائع الأجنبية، لكن ليس من خلال قرارات رسمية بل من خلال حواجز ثقافية تبعد المواطن العادي عن المنتجات الأجنبية. والسر في هذه الازدواجية يعود إلى الثقافة والتربية اليابانية التي تشجع على الانغلاق والتشكيك في الأعراق الأخرى وفي نفس الوقت التأكيد على "الانتشار الدولي" كضرورة تفرضها حاجتهم للموارد والخامات الطبيعية!
وهذه الحقيقة يغذيها شعور بالتفرد تراكم بفعل قرون من الانعزال التام والأصالة العرقية، فاليابانيون بعكس معظم الشعوب ينحدرون من قبيلة واحدة نقية تدعى ياماتو. فإن كان اليهود يعدون أنفسهم شعب الله المختار فإن اليابانيين يفوقونهم في هذا الصلف ويعتقدون أنهم خلقوا من ضوء الشمس! وإلى وقت الحرب العالمية الثانية كان الإمبراطور يعتبر شيئاً مقدساً ويمثل في عرف الناس قمة النقاء ولا يجوز النظر إليه مباشرة.
ويمكن القول إن اليابانيين لم يدركوا أهمية التوسع الخارجي إلا بعد عصر الإمبراطور "ميجي" (1868- 1912) حيث انغلقوا على أنفسهم قبل ذلك لأربعة قرون. ولكن بعد إدراكهم أن التجارة العالمية هي الهواء الذي يعتاشون به استطاعوا بمهارة (على عكس اليهود في الماضي، والأمريكان في الحاضر) تحقيق مكاسبهم العالمية دون اختلاط وثيق مع الشعوب الأخرى. وهذه الحقيقة قد تبدو مناقضة للواقع لكون المؤسسات والمصانع اليابانية حققت اختراقاً واسعاً في كل مكان حول العالم؛ ولكن الحقيقة هي أن حتى المؤسسات والمصانع اليابانية (في الخارج) تبدو مغلقة ومتماسكة من الداخل بحيث لا يمكن لأي أجنبي اختراقها أو تولي منصب حساس فيها. وفي المقابل تبدو الأسواق اليابانية مغلقة حتى أمام أكثر السلع جودة ورخصا. ويعود السر إلى المواطن الياباني نفسه الذي لا يقبل كثيرا على المنتجات الأجنبية ولا يفضل "المستورد" على صناعته المحلية، الأمر الذي أثار دائما حيرة وإحباط الموزعين الأجانب. وفي عقدي الثمانينات والتسعينات بدأت بعض الحكومات الغربية بمعاملة اليابانيين بالمثل في محاولة لتعديل العجز التجاري معها. فالولايات المتحدة مثلا هددت أكثر من مرة بفرض ضرائب مضاعفة على البضائع اليابانية، في حين تبنت فرنسا قرارا بأن لا تزيد الصادرات اليابانية إليها عن 3%، أما بريطانيا فالتزمت الهدوء بعد أن نقلت إليها اليابان عشرات المصانع الأمر الذي حولها - حسب التعبير الفرنسي - إلى ورشة عمل يابانية!
المدهش فعلاً أن اتفاقية الجات وقوانين العولمة لم تفلح في تعديل ميزان اليابان التجاري مع بقية دول العالم. وفي حين انشغل العالم هذه الأيام بالسلع الصينية الرخيصة عمل اليابانيون بصمت على تصدر المصانع نفسها للدول المستهلكة متجاوزين بذلك قوانين العولمة واتفاقيات الجات!